فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد بين بعد ذلك أن الذي يؤاخذ {الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (93) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (94)}.
ومن مظاهر النفاق كثرة الحلف ولذا قال الله تعالى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96)}.
بعد ذلك بين الله تعالى أحوال الأعراب، وهم الذين وجد المنافقون فيهم مرتعا خصبا، فذكر أنهم {... أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (99)}.
وقد ذكر سبحانه وتعالى السابقين من المهاجرين والأنصار الذين كانوا دعامة الإسلام وقوته {... رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)}.
عاد سبحانه وتعالى إلى حديث المنافقين فذكر أن اكثرهم حول المدينة وفي المدينة الذين مردوا على النفاق وتربوا عليه، وعلى رأسهم عبد الله بن أبى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (102)}
وقد أمر الله تعالى بعد ذكر المنافقين أن تؤخذ الزكاة، فهى كاشفة النفاق، ونماء المؤمنين وطهارتهم. ثم فتح باب التوبة للاثمين وحث على العمل: {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)}.
وبين سبحانه وتعالى أن من الذين خوطبوا بالدعوة مرجون لأمر الله إما أن يعذبهم دماما أن يتوب عليهم والله عليم حكيم، وأن المنافقين الذين حول المدينة قد اتخذوا مسجدا يتلقون المعلومات من اعداء الله والرسول، والذى سمى مسجد الضرار، وقال الله تعالى فيه: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)}.
وبعد هذه الآيات التي ذكرت المنافقين، ومن يدورون حول فلكهم، ومن يتقربون منهم- ذكر الله تعالى المؤمنين الصادقين الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة {يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}.
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى بعد ذلك أوصافهم البرة، فقال سبحانه: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)}.
وقد ذكر الله تعالى انه ما كان لنبى أن يستغفر للمشركين، ولو كانوا أولى قربى، وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه، وإن الذين اهتدوا ما كان الله ليضلهم بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم.
وقد بين سبحانه سلطانه في ملك السموات والأرض، ثم بين سبحانه توبته على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، والمهاجرين الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم.
وكان من المؤمنين الصادقين من تخلفوا في غزوة تبوك من غير عذر من الأعذار التي ذكرها القرآن فرباهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم- وهو خير المربين- بالإعراض عنهم حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم، وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم.
وقد أمر الله المؤمنين الصادقين بأن يلتزموا. وقد وضع سبحانه وتعالى مبدأ ثانيا مقررا فقال: {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (121)}
وإن الله خفف على المؤمنين بألا ينفروا جميعا، بل ينفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون.
ثم أمر بجهاد الذين يلونهم من الكفار؟ لأنهم يحادونهم فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)}.
وقد ميز الله تعالى بين المؤمنين والمنافقين عند نزول آيات الله تعالى فقال سبحانه: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ (125) أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126)}.
يقول سبحانه في المنافقين: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون (127)}.
وختم الله تعالى السورة بأنها رحمة في جهادها، وكشف المنافقين بهاتين الآيتين اللتين قيل عنهما أنهما نزلتا بمكة، وهما قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (128) فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)}. اهـ.

.قال ابن عاشور:

سورة التوبة:
سميت هذه السورة، في أكثر المصاحف، وفي كلام السلف: سورة براءة ففي الصحيح عن أبي هريرة، في قصة حج أبي بكر بالناس، قال أبو هريرة: فأذن معنا علي بن أبي طالب في أهل منى ببراءة.
وفي صحيح البخاري، عن زيد بن ثابت قال: «آخر سورة نزلت سورة براءة»، وبذلك ترجمها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه.
وهي تسمية لها بأول كلمة منها.
وتسمى سورة التوبة في كلام بعض السلف في مصاحف كثيرة، فعن ابن عباس: «سورة التوبة هي الفاضحة»، وترجم لها الترمذي في جامعه باسم التوبة.
ووجه التسمية: أنها وردت فيها توبة الله تعالى عن الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك وهو حدث عظيم.
ووقع هذان الاسمان معا في حديث زيد بن ثابت، في صحيح البخاري، في باب جمع القرآن، قال زيد: فتتبعت القرآن حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ}، حتى خاتمة سورة البراءة [128].
وهذان الاسمان هما الموجودان في المصاحف التي رأيناها.
ولهذه السورة أسماء أخر، وقعت في كلام السلف، من الصحابة والتابعين، فروي عن ابن عمر، عن ابن عباس: كنا ندعوها (أي سورة براءة) «المقشقشة» (بصيغة اسم الفاعل وتاء التأنيث من قشقشة إذا أبراه من المرض)، كان هذا لقبا لها ولسورة الكافرون لأنهما تخلصان من آمن بما فيهما من النفاق والشرك، لما فيهما من الدعاء إلى الإخلاص، ولما فيهما من وصف أحوال المنافقين.
وكان ابن عباس يدعوها الفاضحة: قال ما زال ينزل فيها {ومنهم... ومنهم} حتى ظننا أنه لا يبقى أحد إلا ذكر فيها.
وأحسب أن ما تحكيه من أحوال المنافقين يعرف به المتصفون بها أنهم المراد، فعرف المؤمنون كثيرا من أولئك مثل قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي} [التوبة: 49] فقد قالها بعضهم وسمعت منهم، وقوله: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} [التوبة: 61]فهؤلاء نقلت مقالتهم بين المسلمين.
وقوله: {وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ} [التوبة: 42].
وعن حذيفة: أنه سماها سورة العذاب لأنها نزلت بعذاب الكفار، أي عذاب القتل والأخذ حين يثقفون.
وعن عبيد بن عمير أنه سماها المنقرة (بكسر القاف مشددة) لأنها نقرت عما في قلوب المشركين (لعله يعني من نوايا الغدر بالمسلمين والتمالي على نقض العهد وهو من نقر الطائر إذا أنفى بمنقاره موضعا من الحصى ونحوه ليبيض فيه).
وعن المقداد بن الأسود، وأبي أيوب الأنصاري: تسميتها البحوث- بباء موحدة مفتوحة في أوله وبمثلثة في آخره بوزن فعول- بمعنى الباحثة، وهو مثل تسميتها المنقرة.
وعن الحسن البصري أنه دعاها الحافرة كأنها حفرت عما في قلوب المنافقين من النفاق، فأظهرته للمسلمين.
وعن قتادة: أنها تسمى المثيرة لأنها أثارت عورات المنافقين وأظهرتها.
وعن ابن عباس أنه سماها المبعثرة لأنها بعثرت عن أسرار المنافقين، أي أخرجتها من مكانها.
وفي الإتقان: أنها تسمى المخزية بالخاء- والزاي المعجمة وتحتية بعد الزاي وأحسب أن ذلك لقوله تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ} [التوبة: 2].
وفي الإتقان أنها تسمى المنكلة، أي بتشديد الكاف وفيه أنها تسمى المشددة.
وعن سفيان أنها تسمى المدمدمة بصيغة اسم الفاعل من دمدم إذا أهلك لأنها كانت سبب هلاك المشركين.
فهذه أربعة عشر اسما.
وهي مدنية بالاتفاق.
قال في الإتقان: واستثنى بعضهم قوله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} [التوبة: 113] الآية ففي صحيح البخاري أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله» فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب.
فكان آخر قول أبي طالب: أنه على ملة عبد المطلب، فقال النبي: «لأستغفرن لك ما لم أنه عنك».
وتوفي أبو طالب فنزلت: {كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113].
وشذ ما روي عن مقاتل: أن آيتين من آخرها مكيتان، وهما {قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 112] إلى آخر السورة.
وسيأتي ما روي أن قوله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ} الآية [التوبة: 19].
نزل في العباس إذ أسر يوم بدر فعيره علي بن أبي طالب بالكفر وقطيعة الرحم، فقال: نحن نحجب الكعبة الخ.
وهذه السورة آخر السور نزولا عند الجميع، نزلت بعد سورة الفتح، في قول جابر بن زيد، فهي السورة الرابعة عشر بعد المائة في عداد نزول سور القرآن.
وروي: أنها نزلت في أول شوال سنة تسع، وقيل آخر ذي القعدة سنة تسع، بعد خروج أبي بكر الصديق من المدينة للحجة التي أمره عليها النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: قبيل خروجه.
والجمهور على أنها نزلت دفعة واحدة، فتكون مثل سورة الأنعام بين السور الطوال.
وفسر كثير من المفسرين بعض آيات هذه السورة بما يقتضي أنها نزلت أوزاعا في أوقات متباعدة، كما سيأتي، ولعل مراد من قال إنها نزلت غير متفرقة: أنه يعني إنها لم يتخللها ابتداء نزول سورة أخرى.